قالب مدونتي الأنيق

    Social Items

garbiyya

فكرة أن كوننا يتمدد صعبة التخيُّل، فعندما نفكّر في شيءٍ يتمدد، عادةً ما نفكّر في أنه يتمدد داخل شيء آخر، وبما أنّ الكون في كل مكان، فما الشيء الذي يتمدد داخله كوننا ؟
ألا يحتاج إلى حواف كي يتمدد؟
هناك وسيلتان تُستخدمان عادةً في مساعدة الناس على تخيّل كون متمدد، فقد آمن علماء الفلك أن كوننا لا نهائي غير محددٍ من الخارج. دعنا نهمل بعدًا من الأبعاد المكانية، تخيّل الكون كلوح لانهائي من المطاط.
إذا مُدد ذلك اللوح لا يهم إذًا أين تقف عليه؛ لأنك ستلاحظ ذلك التمدد من تباعد الأشياء من حولك، ستلاحظ أيضًا أنّ اللوح لايتمدد داخل شيء، إنما يتمدد داخل نفسه وأنه لا يملك حواف.
لم يكن وقتًا طويلًا حتى وجد العلماء دليلًا قويًا على لا نهائية الكون، ويمكن أيضًا أن يكونوا مخطئين ويكون الكون محدودًا. ولكن هذا لا يعني أنه يجب أن يكون لديه حواف.
دعنا نهمل بعدًا مرة أخرى، وتخيّل سطح كرة، إنه محدود ولكن ليس لديه حواف، يمكنك أن تمشي حوله للأبد ولن تسقط من حافةٍ ما. شكل الكون يمكن أن يكون نظيرًا ثلاثي الأبعاد لسطح الكرة، هذا صعب التخيّل ولكن يمكن وصفه بسهولة باستخدام النماذج الرياضية.
والآن تخيّل نقاطًا كثيرة مرسومة على سطح كرة تتمدد مثل البالون، إذا كنت حشرة صغيرة تعيش على سطح تلك الكرة، سترى كل هذه النقاط تبتعد عنك، إذا لم يكن لديك فكرة عن داخل أو خارج تلك الكرة كل ما تستطيع قوله أنّ الكون الخاص بك يتمدد.
ليس من المنطقي أن تسأل ما هو الشيء الذي يتمدد فيه؛ لأنك لا تستطيع أن تدرك ذلك الفضاء المحيط، لذا حشرة عاقلة كهذه لن تسأل مثل هذا السؤال.
ولكن يظل التشابه يدل على أن هناك فضاء محيطًا، بعدًا ثالثًا، بحيث يتمدد فيه كون الحشرة. ولأن كون الحشرة منحنٍ فهو كرة كأي سطحٍ منحنٍ آخر لا يمكن التفكير فيه إلّا وهو داخل فضاء أكبر منه.
بتطبيق هذا على كوننا الذي يمتلك بعدًا إضافيًا أكثر من كون الحشرة، التشابه بين الحالتين يقترح أن كوننا ثلاثي الأبعاد يوجد داخل فضاء رباعي الأبعاد ويتمدد بداخله، فضاء ناتج عن بعد إضافي لا يمكننا إدراكه.
الفضاء المحيط أيضًا يحدد مدى انحناء كوننا من الخارج. إذا كنّا نؤمن أن كوننا يجب أن يكون محدودًا، ألا يجب علينا أن نحاول أن نكتشف أكثر عن هذا البعد الإضافي؟ ربما هناك طريقة لنحدده بعد كل ذلك.
يمكننا المحاولة و لكننا لن نبتعد كثيرًا. الفضاء رباعي الأبعاد الذي يحتوي كوننا ثلاثي الأبعاد هو أيضًا يمتلك انحناءً، هذا صعب التخيّل ولكن التعريف الرياضي للانحناء يمكن تطبيقه على أي بعد. السؤال التالي، ما الذي يحدد انحناء ذلك الفضاء رباعي الأبعاد؟ إذا كانت الإجابة كونًا يمتلك بعدًا إضافيًا آخر، إذًا ما الذي يحدد انحناءه؟
كما ترى تأملاتنا قادتنا إلي لا شيء تمامًا، لقد رفعت المشكلة إلى بعد مكاني أعلى لا أكثر.
لذا هل نحن عالقون في فكرة الكون المتمدد ؟ لحسن الحظ لا. في الواقع لا نحتاج إلى فضاء بأبعاد مكانية أكثر لنحدد انحناء فضاء آخر بأبعاد مكانية أقل بداخله. هناك مفهوم رياضي يدعى الانحناء الجوهري (intrinsic curvature)، والذي يسمح لنا بتحديد انحناء أي فضاء دون الحاجة إلى فضاء أعلى منه.
مفهوم الانحناء الجوهري طُوِّر علي يد الرياضيٍ برنارد ريمان (Bernhard Riemann) من بعد كارل جاوس (Carl Gauss) من قبْل اهتمام الفيزيائيين به.
وصفنا الرياضي للكون، والذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على نظرية آينشتاين للنسبية العامة، يعتمد على الانحناء الجوهري. الرياضيون لا يهتمون بأي فضاءٍ محيط بكوننا، يمكنهم ببساطة التعامل مع مفهوم المسافات بين تمددات الكون بدون القلق من الفضاء المحيط الذي قد يتمدد فيه كوننا.
أفضل إجابة على سؤال كيف نتخيّل الكون يتمدد؟ هو ببساطة «لا تحاول»، فنحن لا نحتاج إلى أن نتخيّل ذلك لأننا لدينا الأدوات الرياضية لفهم ذلك ومحاولات تخيله لا تجدي نفعًا، إدراكنا للكون من حولنا محدود جدًا لنأتي بتصوّر أو تخيّل كامل عن تمدد الكون وشكله. قد يكون هذا غير مرضٍ، ولكنه انتصار آخر للرياضيات كأداة لوصف شيء نعجزعن تخيله.
بالتأكيد سمعت عن فيزيائيين يحاولون اكتشاف أبعادٍ إضافية في مصادم الهادرونات الكبير (LHC) في سيرن (CERN). هذا لن يجدي نفعًا في موضوع تمدد الكون.
الأبعاد الإضافية اقترحتها نظرية الأوتار (String Theory). بخلاف قطار تأملاتنا الذي لم يجدِ نفعًا، نظرية الأوتار -إذا كانت صحيحة- تستطيع أن تفسر الكثير. لقد طوِرت لتحل أهم الألغاز الأساسية في الفيزياء الحديثة؛ لذا أي دليل على صحتها مثل الأبعاد الإضافية يستحق النظر.

ترجمة: عبدالله محمد أبوعرب
If our Universe is expanding, then what is it expanding into

إذا كان كوننا يتمدد، ما الذي يتمدد بداخله ؟

هل يعتبر نسيان الأسماء طبيعيًا ؟ | المدونة العامة | حسان الضويحي

أنت في حفلة ما وترى شخصًا يتحرك بإتجاهك.
أنت متأكد أنك رأيته سابقًا لكنك لا تتذكر أين.
وهو يقترب منك الآن أكثر – ويبتسم لك – ولكنك لا تستطيع تذكر اسمه..
هل هذا السيناريو مألوف لك؟ من الممكن أن يكون تذكُّر الأسماء صعبًا لأي شخص، ويزداد هذا الأمر صعوبةً عندما نتقدم بالعمر.
ولكن الصعوبة في تذكُّر الأسماء هو أمر شائع كذلك في مرضأألزهايمر والأمراض العقلية الأخرى.
كيف تعلم ما إذا كان هذا الأمر طبيعيًا أو غير طبيعي؟
لنحفظ الاسم، أول أمر يجب علينا القيام به هو أن نُركِّز انتباهنا عند سماعنا له.
وبعدها سينتقل الاسم إلى الذاكرة المؤقتة قصيرة الأمد، وبعدها إلى الذاكرة طويلة الأمد.
عندما نريد تذكُّر الاسم، فأي دليل أو إيعاز، يُدرك من قبل أعيننا، ومن ثم يعالج، وبعدها يُربط بالذاكرة طويلة الأمد ويتم الحصول على الاسم.
وفي بعض الأحيان يُسترجع الاسم بصورة تلقائية، من دون أي مجهود، ولكن في أوقات أخرى، تكون هنالك حاجة إلى مساعدة من قبل آلية بحث ينفذها الفص الأمامي من الدماغ.
وهذه خطوات عديدة لحفظ وتذكُّر اسم فلا عجب في أنه من الصعب تذكُّره!
دعونا نلقي نظرة على أهم الأسباب التي من الممكن أن تجعلنا ننسى الأسماء.
غالبًا ما تكون المشكلة هي أننا لم نحفظ الاسم من البداية.
ربما لم نسمعه بصورة واضحة، سواء ما إذا كان السبب سمعنا أو الضجيج الموجود في الغرفة.
وربما لم نكن مهتمين عندما عرَّف الشخص عن نفسه؛ ربما كنا نفكر فيما سنقوله بعدها بدلًا من أن نُعير اهتمامنا للاسم.
وقد تكون المشكلة في أن منطقة الذاكرة قصيرة الأمد (قرن آمون) أو منطقة الذاكرة طويلة الأمد (الجزء الأمامي من الفص الصدغي) لا تعمل بصورة جيدة.
وأخيرًا، قد تكون المشكلة بسبب عملية الاسترجاع والتذكُّر، فقد تكون هنالك مشكلة في النظر (والذي يعني أننا نحتاج إلى نظارات جديدة) أو في عملية البحث التي يقوم بها الفص الأمامي.
بالنسبة للأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة في أي عمر، قد تكون أكثر مشكلة شائعة هي صعوبة تذكُّر اسم شخص التقيت به منذ بضع دقائق.
وباعتبار أن الموسيقى لم تكن عالية ولم تكن المشكلة هي عدم سماعنا الاسم، فالسبب الاعتيادي هو أننا لم نعر سماعنا للاسم أي اهتمام.
أو من الممكن أن نكون قد تناولنا كمية كافية من الكحول لتؤثر على عمل قرن آمون، ولهذا لا يستطيع الاسم العبور إلى الذاكرة قصيرة الأمد.
أما بالنسبة لكبار السن الأصحاء، هنالك مشكلة شائعة أخرى تتمثل في أن الاسم معروف ومخزون في الذاكرة طويلة الأمد ولكنك تواجه مشكلة في العثور عليه لأن عملية البحث التي تجري في الفص الأمامي لا تعمل بنفس الكفاءة عندما تكون أصغر سنًا.
وفي بعض الأحيان قد تؤثر مشاكل النظر أو السمع.
والأهم من ذلك، بما أن الاسم في ذاكرة التخزين طويلة الأمد، فعندما تُعطى تلميحًا أو إشارة، ستتمكن من تذكُّر الاسم.
ومن الممكن لمرض ألزهايمر أن يُتلِف قرن آمون، الجزء الأمامي من الفص الصدغي، والفص الأمامي.
ولهذا السبب، عندما نصاب بألزهايمر سنواجه صعوبة عند حفظنا للاسم لأول مرة، وستكون الصعوبة في حفظ الاسم في كل من الذاكرة الطويلة وقصيرة الأمد، وصعوبة في تذكُّر الاسم أيضًا.
وهو بذلك يختلف عن الشيخوخة الطبيعية في أنه لا يُحفظ بصورة صحيحة أو قد يُفقَد بصورة تامة.
ولهذا، عندما يُعطى مرضى ألزهايمر دليلًا أو إشارة يبقون غير قادرين على تذكُّر الاسم.
ويصعب على الجميع تذكُّر الأسماء ولكن الصعوبة تزداد لكبار السن وهؤلاء المصابين بأمراض عقلية مثل ألزهايمر.

هل يعتبر نسيان الأسماء طبيعيًا؟

كيف يمكن تحويل ثاني أكسيد الكربون لوقود سائل ؟ | المدونة العامة | حسان الضويحي

تقوم أوراق الأشجار بتسخير الطاقة من الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى الكربوهيدرات التي تغذي الأنشطة الخلوية النباتية بالطاقة، ظل العلماء على مدى عقود يعملون على ابتكار عملية مشابهة لعملية التمثيل الضوئي لإنتاج وقود يمكن تخزينه في وقت لاحق.
يبدو مفهوم الأوراق الاصطناعية ذا أهمية كبيرة، يمكن أن يحل هذا تحديًا كبيرًا للطاقة الشمسية وطاقة الرياح ما يوفر طريقة لتخزين الطاقة عند غياب الشمس أو انقطاع الرياح.
وقد ساهم العديد من الباحثين على مر السنين في تطوير شكل من أشكال التمثيل الضوئي الاصطناعي؛ إذ تقوم المحفزات التي تتنشط بواسطة ضوء الشمس بفصل جزيئات الماء لإنتاج الأكسجين والهيدروجين، ويعدّ الهيدروجين مادة كيميائية قيمة لمجموعة واسعة من التقنيات المستدامة.
الخطوة الأقرب إلى التمثيل الضوئي الفعلي ستكون باستخدام الهيدروجين في تفاعل اختزال يتم فيه تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى هيدروكربونات، هذا النظام يستخدم فقط ثاني أكسيد الكربون والماء وضوء الشمس لإنتاج الوقود، مثل الورقة الحقيقية بالضبط.
وقد يكون هذا الإنجاز ثوريًا مما يتيح إنشاء نظام مغلق يتم فيه تحويل ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الاحتراق إلى وقود بدلًا من إضافة غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي.
يسعى العديد من الباحثين إلى تحقيق ذلك الهدف. في الآونة الأخيرة، أظهرت مجموعة من الباحثين أنه من الممكن الجمع بين عملية فصل الماء وعملية تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود في نظام واحد بكفاءة عالية.
في عام 2016 توصل كل من دانيال نوسيرا (Daniel G. Nocera) وباميلا سلفر (Pamela A. Silver) من جامعة هارفارد إلى إمكانية صنع الوقود السائل (خاصة كحولات الفيوزل Fusel Alcohols) التي تتجاوز بكثير قابلية الورقة الطبيعية في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى الكربوهيدرات.
يستخدم هذا النظام 1% فقط من الطاقة التي يتلقاها من الشمس لصنع الجلوكوز (Glucose)، فقد حقق النظام الاصطناعي كفاءة تقارب 10% في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود، أي ما يعادل سحب 180 جرامًا من ثاني أكسيد الكربون من الهواء لكل كيلو واط في الساعة من الكهرباء المتولدة.
وقد دمج الباحثون تقنية غير عضوية لفصل جزيئات الماء بواسطة الشمس (المصممة لاستخدام مواد متوافقة حيويًا وتجنب تكوين مركبات سامة)، مع ميكروبات صُمّمت خصيصًا لإنتاج الوقود في نظام واحد.
ما يلفت النظر أن هذه البكتريا المهندَسة أيضيًا قد أنتجت مجموعة متنوعة واسعة من الوقود والمنتجات الكيميائية الأخرى حتى بوجود تراكيز منخفضة من ثاني أكسيد الكربون.
هذه الطريقة جاهزة للتوسّع لدرجة أن المحفزات تحتوي بالفعل على معادن رخيصة، يمكن الحصول عليها بسهولة، لكن الباحثين ما زالوا بحاجة إلى زيادة إنتاج الوقود بشكل كبير.
يقول نوسيرا أن الفريق يعمل على إعداد النماذج الأولية للتقنية، وهو في إطار مناقشات الشراكة مع العديد من الشركات.
يمتلك نوسيرا رؤية أكبر للتقنية الأساسية، بالإضافة إلى إنتاج الهيدروجين والوقود الغني بالكربون بطريقة مستدامة، فقد أوضح أن تجهيز النظام ببكتيريا معدلة مختلفة أيضيًا يمكن أن ينتج سمادًا قائمًا على النيتروجين الموجود في التربة. وهي طريقة تزيد من غلة المحاصيل في المناطق التي لا تتوفر فيها الأسمدة التقليدية بسهولة.
تستخدم البكتيريا الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون لتشكيل بلاستيك بيولوجي يعمل كوقود، بمجرد أن يحتوي الميكروب على ما يكفي من البلاستيك البيولوجي، فإنه لم يعد بحاجة إلى أشعة الشمس لذلك يمكن دفنه في التربة.
بعد سحب النيتروجين من الهواء فإن الميكروب يستغل الطاقة والهيدروجين المتواجد في البلاستيك البيولوجي لتكوين الأسمدة.
إعداد: سرمد يحيى

كيف يمكن تحويل ثاني أكسيد الكربون لوقود سائل ؟

هل يمكن تعديل البشر بيولوجيا لمواجهة التغير المناخي؟ | المدونة العامة | حسان الضويحي

هل يمكن في المستقبل البعيد تعديل البناء البيولوجي للبشر لتجنب الآثار الأكثر سوءا للتغير المناخي في المستقبل؟ فرانك سوين، الصحفي المتخصص في الشؤون العلمية، يستعرض بعض الأفكار المثيرة المتداولة حول هذا الأمر.
يعد التغير المناخي أحد أكبر التهديدات التي تواجه البشرية، ومع تزايد المخاطر المرتبطة به، يقترح كثيرون حلولا طموحة بداية من فكرة ضخ الغبار إلى الغلاف الجوي، وصولا إلى فكرة الهروب إلى الفضاء.
لكن ماذا لو قمنا بتعديل أنفسنا من الناحية البيولوجية بدلا من أن ندخل تعديلاتنا على العالم من حولنا؟ هذا هو السؤال الذي طرحه ماثيو لياو، مدير برنامج أخلاقيات علم البيولوجيا في جامعة نيويورك، وفريقه العلمي.
ويقول لياو: "حاولنا أن نفكر بشكل غير تقليدي، وطرحنا السؤال: ما الذي لم يُقترح من قبل في ما يتعلق بالتصدي لمشكلة التغير المناخي؟"
والإجابة التي توصل إليها لياو وزملاؤه هي هندسة البشر بيولوجيا، بمعنى تعديل بعض الصفات البيولوجية لدى البشر بهدف الحد من التأثيرات الضارة التي يسببونها للبيئة.
ويشير البروفيسور لياو إلى أنه يمكننا إنتاج بشر أكثر حفاظا على البيئة من خلال تغيير بعض المكونات البيولوجية، مثل تغيير أحجامنا، أو نظامنا الغذائي.
وفي الوقت الذي لا يطالب فيه لياو وزملاؤه بالشروع بشكل جاد في برنامج عالمي موسع لتعديل البشر بيولوجيا، تظل الفكرة في حد ذاتها تجربة مثيرة تقدم لنا منظورا جديدا للتعامل مع الآثار التي يمكن أن يحدثها البشر على كوكب الأرض.
ويقول لياو: "نحن لا نقترح هنا أن تصبح هذه الأفكار إلزامية، لكن يستحسن أن تكون مجرد خيارات أمام البشر."
موارد محدودة
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي نلجأ فيها إلى إجراءات تتعلق بالسيطرة البيولوجية في بعض المجتمعات من أجل الحد من الأثر السلبي لها على البيئة.
فقد طبقت في الصين سياسة "طفل واحد" لكل عائلة عام 1979 من أجل عدة أسباب، من بينها تخفيف الضغوط التي يسببها السكان على البيئة.
وفي عام 1936، اكتسبت جزيرة تيكوبيا في المحيط الهادئ شهرة عندما أعلن عالم الأنثربولوجي (علم الإنسان) الشهير ريموند فيرث أن سكان الجزيرة اتبعوا نظاما صارما لتحديد النسل للحيلولة دون إستنزاف موارد الجزيرة المحدودة.
ويقترح لياو أن نذهب أبعد من ذلك في سعينا إلى أن نصبح أكثر صداقة مع البيئة، وأكثر حفاظاً عليها، رغم أن هذه المساعي ربما تبدو غير محببة لدى البعض.
ومن الاستراتيجيات التي يقترحها لياو تقليص استهلاكنا للموارد الطبيعية، ويقول: "الغازات المنبعثة التي تسبب الاحتباس الحراري الناتجة عن تربية الماشية فقط تصل إلى 18 في المئة، فإذا تناولنا كميات أقل من اللحوم، يمكننا تقليص تأثيرنا على البيئة بدرجة كبيرة."
لكن رغم معرفة معظم الناس أن تناول اللحوم ليس جيدا للبيئة، فإن رؤية قطعة من اللحم مثلا وهي تشوى على النار يثير شهيتنا ويجعل من الصعب عدم تناولها. لكن ماذا لو أمكننا هندسة البشر بيولوجيا لكي يكرهوا مذاق اللحوم، أو يكرهوا تناول البرغر بجميع أنواعه؟
يقول لياو إنه بإمكاننا أن نحفز كراهية اللحوم الحمراء لدى البشر من خلال تعديل جهاز المناعة ليرفض بروتينات لحوم البقر مثلا. ويقترح لياو أن نستخدم ضمادة طبية، مثل ضمادة النيكوتين، تجعلنا نتقيأ إذا حاولنا تناول اللحوم الحمراء.
قد يبدو ذلك ضربا من الخيال العلمي، لكن هناك أدلة ظهرت مؤخرا تشير إلى أن الأشخاص الذين تعرضوا للدغة حشرة القراضة المنتشرة في جنوب الولايات المتحدة، تطور لديهم لاحقا نوع من الحساسية للحوم الحمراء، ما دفعهم إلى التحول لتناول الأطعمة النباتية فقط.
كما يرى لياو أن بإمكاننا أيضا تقليص أحجام أجسادنا؛ إذ أن خفض طول الإنسان بنسبة 15 سم مثلا يؤدي إلى خفض أحجامنا بنسبة تصل إلى نحو 25 في المئة، وهو ما يعني أنك ستتخلص من ربع جسدك الذي كان سيحتاج إلى مزيد من الطعام، والشراب، والانتقال
ورغم وجود نظرة اجتماعية مختلفة تجاه قصار القامة، يقول لياو إن هناك فوائد كثيرة لذلك، وإن قصار القامة يعيشون عمرا أطول مقارنة بغيرهم، ويجدون مقاعد تناسبهم بشكل أفضل في وسائل المواصلات وفي الطائرات.
وإذا استمر تفكيرك في هذا الاتجاه، فربما يصل بك الخيال إلى ما هو أبعد من ذلك. فماذا لو عدلت عيون البشر حتى ترى بشكل أفضل في الضوء الخافت؟ ألا يؤدي ذلك إلى خفض فاتورة الطاقة؟ وهل بالإمكان أن نلف أجسادنا بمادة الكلوروفيل لنحصل على جزء من الطاقة الشمسية، على غرار عملية التمثيل الضوئي للنباتات؟ أو أن ندخل في سبات شتوي بدلا من حرق الفحم لتدفئة منازلنا؟
وقد بدأ عدد قليل من الفنانين في الفترة الأخيرة في تخيل بعض الوسائل التي يمكن أن تجعل الهندسة البشرية تصل إلى أقصى مدى ممكن.
ففي عام 2013، قدم الفنان أرني هينريكس تصورا يقول فيه إن الطول المثالي للإنسان سيكون 50 سنتيمترا- أي لا يزيد عن طول الدجاجة، وذلك للحد من تأثيرنا السلبي على البيئة.
والمثير للدهشة أن هذه الفكرة فازت بجائزة "مفاهيم المستقبل" وهي إحدى جوائز مسابقة التصميم الهولندية "دتش ديزاين"، خاصة وأن لهولندا شهرة خاصة بأنها تضم أطول البشر على وجه الأرض، وأنها أيضا أكثر عرضة لارتفاع مستويات منسوب البحر بشكل خطير.
واقترحت الفنانة اليابانية آي هاسيجاوا فكرة مختلفة تماما لحماية البيئة، وقالت إن النساء يمكن أن يتخذن قرارا يوما ما بأن يصبحن أمهات بديلات للأنواع النادرة من الكائنات الحية، مثل سمك القرش، أو الدولفين، أو حيوان الباندا.
كائنات معدلة هندسيا
من الواضح أننا لن نتبنى أيا من هذه الأفكار الغريبة في المستقل القريب (أو ربما على الإطلاق)، لكن من المؤكد أنها أفكار تثير الخيال والاهتمام أيضا.
ويرى لياو أن الهندسة البشرية تحدث بالفعل في بعض مناحي الحياة، فالكثير من البشر يميلون إلى تغيير أجسادهم مثلا لكي يبدون أكثر جاذبية من خلال عمليات التجميل.
ويضيف: "الكثير من الأشياء التي نتحدث عنها موجودة بالفعل في المجتمع، وهي ليست بدرجة التطرف التي نتصورها. ورغم أنها لا تتم في سياق (مواجهة) التغير المناخي، إلا أنه لو قدمت مثل هذه الخيارات للناس، ربما يقبل بها البعض."
ربما تصبح الأجيال القادمة التي ستشهد أسوأ تأثيرات التغير المناخي أكثر إستعدادا لقبول فكرة التعديل البيولوجي للبشر، وربما يثبت في المستقبل أن ذلك أسهل من محاولة تعديل المناخ نفسه.


الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.

هل يمكن تعديل البشر بيولوجيا لمواجهة التغير المناخي؟